باب الحوائج
هذا اللقب كان من أشهر ألقاب الامام موسى بن جعفر عليهما السلام ذكراً، وأكثره شيوعاً، انتشر بين العام والخاص، حتى أنه ما أصاب أحدهم مكروه إلا فرّج الله عنه بذكره الإمام الكاظم، وما استجار بضريحه أحد إلا قضيت حوائجه، ورجع مثلوج القلب، مستريح الضمير ممّا ألّم به من طوارق الزمن التي لابدّ منها.
وقد آمن بذلك جمهور المسلمين على اختلاف مذاهبهم.
يقول أبو علي الخلال شيخ الحنابلة وعميدهم الروحي: (ما همّني أمر فقصدت قبر موسى بن جعفر إلا سهّل الله تعالى لي ما أحب)
وقال الإمام الشافعي): (قبر موسى الكاظم الترياق المجرّب)
كان الإمام موسى الكاظم في حياته ملجأ لعموم المسلمين، كما كان كذلك بعد موته حصناً منيعاً لمن استجار به من عموم المسلمين، لأن الله سبحانه وتعالى عزّ اسمه منحه حوائج المسلمين المستجيرين بضريحه الطاهر في بغداد.
وقد روى الخطيب البغدادي قضية كان فيها شاهد عيان :
عندما شاهد امرأة مذهولة، مذعورة، فقدت رشدها لكثرة ما نزل بها من الهموم، لأنها أخبرت أن ولدها قد ارتكب جريمة، وألقت عليه السلطة القبض وأودعته في السجن ينتظر الحكم القاسي والظالم. فأخذت تهرول نحو ضريح الإمام مستجيرة به، فرآها بعض الأوغاد، الذي لا يخلو الزمان منهم، فقال لها: إلى أين؟
ـ إلى موسى بن جعفر، فإنّه قد حُبِس ابني.
فقال لها بسخرية واستهزاء: (إنه قد مات في الحبس)
فاندفعت تقول بحرارة بعد أن لوّع قلبها بقوله:
(اللّهم بحق المقتول في الحبس أن تريني القدرة)
فاستجاب الله دعاءها، وأطلق سراح ابنها، وأودع ابن المستهزئ بها في ظلمات السجن بجرم ذلك الشخص.
فالله سبحانه وتعالى القادر العليم والقاهر العظيم قد أراها القدرة لها ولغيرها، كما أظهر كرامة أهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام، فما خاب من دعاهم، وما فشل من استجار بهم. ثم يروي الخطيب البغدادي عن محنة ألّمت به فاستجار بالإمام موسى وكشف عنه الهمّ والغمّ. فيقول: (وأنا شخصيّاً قد ألّمت بي محنة من محن الدنيا كادت أن تطوي حياتي، ففزعت إلى ضريح موسى بن جعفر بنيّة صادقة، ففرّج الله عنّي، وكشف ما ألّم بي.
ولا يَشِكّ في هذه الظاهرة التي اختصّ بها الإمام إلا من ارتاب في دينه وإسلامه.
لقد آمن جميع المسلمين الأبرار بالأئمة الأطهار منذ فجر التاريخ ولم يزالوا يعتقدون اعتقاداً راسخاً في أن أهل البيت (عليهم السلام) لهم المقام الكريم عند الله، وإنه يستدفع بهم البلاء، وتستمطر بهم السماء.
روى الكليني عن محمد بن جعفر الكوفي، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: تقول ببغداد: (السلام عليك يا وليّ الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليكَ يا نور الله في ظلمات الأرض، السلام عليك يا من بدا لله في شأنه، أتيتك عارفاً بحقك معادياً لأعدائك فاشفع لي عند ربّك) وادع الله وسلْ حاجتك، قال: وتسلّم بهذا على أبي جعفر (عليه السلام)
ولا ننسى قصيدة الفرزدق العصماء التي ندرّسها لطلاّبنا في المدارس والجامعات التي مدح بها الإمام زين العابدين وقال فيها:
من معشر حبهم دين وبغضهم كفر وقربهم منجى ومعتصم **** يستدفع السوء والـبلوى بحبهم ويـستزادُ به الإحسان والنعم
فالله عزّ وجلّ منح أهل البيت جميل ألطافه، وخصّهم بالمزيد من كراماته، أحياءً وأمواتاً.
ونذكر هنا كوكبة من الشعراء والأدباء قد أثقلت كواهلهم كوارث الدهر ففزعوا إلى ضريح الإمام متوسلين به إلى الله تعالى في رفع محنهم، وكشف ما ألّم بهم من المكروه، ففرّج الله عنهم ولو أردنا أن نذكر ما أثر عنهم في ذلك لبلغ مجلداً ضخماً.
لكنا نذكر بعضاً منهم الحاج محمد جواد البغدادي الذي سعى إلى ضريح الإمام في حاجة يطلب قضاءها فقال:
يا سميّ الكليم جئتك أسعى نحو مغناك قاصداً من بلادي *** ليس تُقضى لنا الحوائج إلا عند باب الرجاء جد الجواد
فجاء عباس البغدادي وخمسها بقوله:
لم تزل للأنام تحسن صنعا وتجير الذي أتاك وترعى *** وإذا ضاق الفضا بي ذرعـاً يا سميّ الكليم جئتك أسعى
والهوى مركبي وحبّك زادي *** أنت غيث للمجدبين ولولا فيض جدواكم الوجود اضمحلا
قـسماً بالذي تعالى وجلا ليس تُقضى لنا الحوائج إلا *** عند باب الرجاء جد الجواد
وممن نظم في ذلك الشاعر المرحوم السيد عبد الباقي العمري فقال:
لذ واستجر متوسلاً إن ضاق أمرك أو تعـسّر *** بأبي الرضا جد الجواد محمد موسى بن جعفر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق